سورة العصر

سورة آياتها ثلاث و 14 كلمة و 70 حرف سورة في غاية الإيجاز والبيان بينت أسباب الفوز والنجاح من الخسارة والخسران.  السورة قليلة الآيات لكنها عظيمة في المعاني والألفاظ والدلالات،  بدأ الله هذه السورة بالقسم بالعصر وهو الدهر فقال "والعصر" والعصر هو الدهر أيام الله التي يخلق الله فيها ما يشاء ويفعل فيها ما يريد ويحكم فيها بحكمته. والله تبارك وتعالى يقسم من خلقه ما شاء وما أقسم الله به في القرآن مهم جدا، فقد أقسم  بالسماء ذات البروج، وبالشمس وضحاها، والضحى، والتين، وبغير ذلك فالعصر وهكذا جميع ما أقسم الله به سبحانه كله من آياته الدالة على وجود الله ومن براهين قدرته العظيمة وحكمته، وأنه رب العالمين، وأنه المستحق لأن يعظم ويعبد وحده لا شريك له.  و أقسم الله بالعصر لأهمية الدهر والزمن والوقت ولتبيين مكانته ولتعظيم منزلته فمن استغل  الوقت في طاعة الله وعمل فيه على مرضاة مولاه فقد فاز الفوز العظيم ومن ضيعه في معصية الله فذلك هو الخسران المبين. واللهُ  تعالى أنعم على  عبادِة بكثير من النعم ومنها نعمةُ الوقتِ،  وأخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بأن الإنسان مسئول عن هذا الوقت ومحاسب عليه، فعليه الاستعداد لذلك، قال النبي صلى الله عليه وسلم:( لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ)،  وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال:( اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ)  وعن الأوزاعي رحمه الله أنه قال: ( ليس ساعة من ساعات الدنيا إلا وهي معروضة على العبد يوم القيامة يومًا فيومًا وساعةً فساعةً، فلا تمُرُّ به ساعة لم يذكر الله فيها إلا تقطَّعت نفسه عليها حسرات، فكيف إذا مرَّت به ساعة مع ساعة ويوم مع يوم)، فالمسلم إذا أدرك قيمة وقته وأهميته، كان أكثر حرصًا على حفظه واغتنامه فيما يُقَرِّبه مِن ربِّه سبحانه وتعالى والاستفادة من وقته استفادة تعودُ عليه بالنفع، فيُسَارِع إلى استغلال الفراغ قبلَ الشغل، والصحَّة قبل السقم؛ أنت اليومَ في دارِ العملِ، في صحةٍ وعافيةٍ، فسابقْ إلى الطاعاتِ، وتزوُّدْ من الخيراتِ، فسوف تجدُ عاقبةَ ذلك خيرًا بعد انقطاعِ أجلِك، وانقضاءِ عُمُرِك.  وكما قيل الأيَّامُ ثلاثةٌ: "الأمسُ قد مضى بما فيه، وغدًا لَعَلكَ تُدركه، وإنَّما هو يومكَ هذا، فاجتهد فيه". العجيب في ذلك فَرَحُ الكثير من الناس بمرور هذه الأيام والسنين، وقد علموا أنها تُقرِّبهم إلى آجالهم، وتُبعِدهم عن دنياهم! تمُرُّ الساعات والأيام ولا يُحسب لها حساب، والسَّاعات أغْلَى من أن تُنفَق في أحاديثَ فارغة، أو مجالس غيبة لا يتحرَّى فيها المسلمُ الصِّدق، ولا يأمر فيها بالمعروف، فلا يكن حالك، وقال بعض المفسرين أن المراد بالعصر في هذه السورة صلاة العصر التي تكون عند منتهى النهار ومقتبل الليل خصها الله بالذكر وأقسم بها فقال "والعصر" وأمر بالمحافظة عليها فقال سبحانه وتعالى: ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ﴾ والنبي صلى الله عليه وسلم يوم غزوة الخندق، قال: ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارا، كما شغلونا عن صلاة الوسطى . وهي صلاة العصر.

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾ أقسم الله على أن الإنسان - كل إنسان - في خسارة ونقصان   كل إنسان - الأبيض والأسود العربي والأعجمي كلهم في خسارة وخسران ثم استثنى الله من استكمل أسباب النجاة وأخذ بأسباب عدم الخسارة وأولها الإيمان بالله وبما جاء من عند الله. فقال﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ الإيمان أفضل الأعمال وخير الاعمال قال النبي صلى الله عليه وسلم:" أفضل الأعمال إيمان بالله ورسوله ". الإيمان كما فسره النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل فقال له (الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره). فبعد أن ذكر الله أن الشرط الأول للنجاة هو الإيمان ﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ ذكر الشرط الثاني فقال: ﴿ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ لابد بعد الإيمان من العمل الصالح أي: جمعوا بين الإيمان بالله وبرسوله صلى الله تعالى عليه وسلم وبين العمل الصالح، وهذا شامل لأفعال الخير كلها، الظاهرة والباطنة، المتعلقة بحق الله وحق عباده، الواجبة منها والمستحبة، فهؤلاء آمنوا بقلوبهم، وعملوا الصالحات والطاعات والقربات بجوارحهم لرب العالمين والذين جمعوا بين الإيمان بالله والعمل الصالح، فإنهم في ربحٍ لا في خُسر؛ لأنهم عملوا للآخرة ولم تشغلهم أعمال الدنيا عنها، ثم ذكر الله الشرط الثالث للنجاة فقال:﴿ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ﴾، التواصي هو التناصح النصيحة مأخوذة من نصح الرجل ثوبه إذا خاطه؛ أي: سدَّ خَلَله، وقيل: مأخوذة من نصحت العسل، إذا صفيته من الشمع. فالدين النصيحة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم:( الدين النصيحة قالوا لمن يا رسول الله قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم )، قالَ الإمامُ أبو سُليمانَ الخَطَّابيُّ رحمهُ اللهُ: (النصيحَةُ كَلِمَةٌ يُعبَّرُ بها عن جُملةٍ هي إرادةُ الخير لِلْمَنْصُوحِ لَهُ... فمعنى النصيحة لله سبحانه: صحةُ الاعتقاد في وحدانيته وإخلاصُ النيَّة في عبادته، والنصيحةُ لكتاب الله: الإيمانُ به والعَمَلُ بما فيه، والنصيحة لرسوله صلى الله عليه وسلم: التصديقُ بنبوَّتهِ وبذلُ الطاعة له فيما أمَرَ به ونهى عنه، والنصيحةُ لأئمة المؤمنين: أن يُطيعَهُم في الحقِّ وأن لا يرى الخروجَ عليهم بالسيفِ إذا جارُوا، والنصيحةُ لعامَّةِ المسلمين: إرشادُهم إلى مصالحهم)، فمن أراد النجاة فإن من أسباب النجاة التي ذكرها الله في هذه السورة العظيمة التناصح والتواصي بالحق والحق هو الشيء البين الواضح والمقصود به في هذه الآية الكريمة أداء الطاعات وترك المنكرات فيجب علينا إن أردنا النجاة أن نتناصح فيما بيننا وأن يوصي بعضنا بعضاً وأن نُفعل هذه الفضيلة العظيمة فضيلة النصيحة والتناصح بالأسلوب الحسن واللين والرفق والستر. 

﴿ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ يوصي بعضنا بعضاَ بالصبر والصبر هو النفس على طاعة الله وحبسها عن معصية الله وحبسها عن التسخط من أقدار  فالإيمان يحتاج إلى صبر والعمل الصالح يحتاج إلى صبر والنصيحة تحتاج إلى صبر والمعاصي تحتاج إلى صبر حتى لا يقع الإنسان فيها ولهذا ذكر الله  الصبر في أكثر من تسعين موضعاً من القرآن الكريم والتواصي بالصبر من صفات الناجين من الخسران، ولم يكن من صفاتهم أنهم صابرون فحسب؛ بل زادوا على ذلك بأن كانوا يتواصون بالصبر، ويحض بعضهم بعضًا عليه،  والصبر الواجب على المكلف ثلاثة أنواع: الصبر على أداء ما أوجب الله من الطاعات، والصبر عما حرم الله أى كف النفس عما حرم الله، والصبر على تحمل ما ابتلاه الله به بمعنى عدم الاعتراض على الله أو الدخولِ فيما حرّمه الله بسبب المصيبة. فإن كثيرا من الخلق يقعون في المعاصي بتركهم الصبرَ على المصائب. وهم فى ذلك على مراتب مختلفة. فمنهم من يقع في الردة عند المصيبة ومنهم من يقع فيما دون ذلك من المعاصي كمحاولةِ جلب المال بطريق محرم باكتساب المكاسب المحرمة ومحاولةِ الوصول إلى المال بالكذب ونحوِه كما يحصل لكثير من الناس بسبب الفقر. ولقد وَعَدَ الله الصابرين المحتسبين أجرًا عظيمًا. قال تعالى:﴿ إنما يُوَفَّى الصابرون أجرَهم بغيرِ حسابٍ ﴾،  كان الرجلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقيا، لم يتفرقا إلا على أن يقرأ أحدهما على الآخر سورة العصر إلى آخرها، ثم يسلم أحدهما على الآخر، وقال الشافعي رحمه الله: لو تدبر الناس هذه السورة، لوسعتهم".