من وصايا النبي صلى الله عليه وسلم

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصي أصحابه بخصال من الخير ينبغي للمسلم أن يعمل بها لينال الخير العميم ومن هذه الوصايا ما قاله النبي لصاحبه أبي ذر الغفاري فقال أبو ذر رضي الله عنه:  أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم ﷺ بخصال من الخير:  أوصاني بألا أنظر إلى من هو فوقي وأن أنظر إلى من هو دوني، وأوصاني بحبِ المساكين والدنو منهم، وأوصاني أن أصل رحمي وإن أدبرت، وأوصاني ألا أخاف في الله لومة لائم، وأوصاني أن أقول الحق وإن كان مُرا، وأوصاني أن أكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها كنز من كنوز الجنة.رواه ابن حبان. وابو ذر هو جندب بن جنادة بن قيس بن عمرو  الغفاري.

قال أبو ذر أوصاني خليلي" الخِلة: مرتبة عالية في المحبة، تقال حيث تبلغ المحبة إلى حال، ودرجة تصير كأنها قد حصل لها تداخل، وامتزاج مع القلب، يقال: الخلة، كأنها تخللت القلب، ودخلت في أعماقه،. ومعنى الخلة في حق الله شدة المحبة والتعظيم. بخصال من الخير أي وصايا وإرشادات فيها خير ونفع. 

 قال أبو ذرٍّ :" وأَوصَاني أَن أَنظُرَ إلى مَن هوَ دُوني ولا أَنظُرَ إلى مَن هُوَ فَوقِي " أي في أُمورِ الدُّنيا أي لا يَنظُر إلى أُمُورِ الأغنياءِ بل يَنظُر إلى الفُقَراءِ، فإذَا نَظَر إلى الأغنِياءِ يَحتَقِرُ نِعمَةَ اللهِ التي أَنعَمَها علَيهِ ويَصِيرُ عِندَه جَشَعٌ فلا يَشكُرُ اللهَ تَعالى، لأنّ تَفكِيرَهُ تَشَتّتَ في أَموالِ الأغنياءِ يُفَكِّرُ كَيفَ يَصِيرُ مِثلَ هؤلاءِ فَينهَمِكُ في أُمورِ الدُّنيا حتى يَصير يجمَعُ المالَ بالحَرام لا يُبالي فَهَمُّه أن يجمَعَ، أمّا إذَا نظَرَ إلى مَن هُوَ دُونَه أي أَفقَرَ مِنهُ يَزدَادُ شُكرًا للهِ تَعالى ويكونُ ذلكَ أَعْوَنَ لهُ على الإحسانِ بما يَستَطِيعُ لمن هُوَ أَحوَجُ مِنهُ، إذا نظرت إلى الفقير يبيت ولا يجد ما يأكل، وأنا أبيت شبعاناً، فأنا أفضل منه والحمد الله، فالنظر إلى من هو دونك يجعلك تشكر الله سبحانه وتعالى. كذلك إذا نظرت إلى الإنسان المريض وأنت في صحة وعافية، فإنك ستقول: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاه به، وفضلني عليك وعلى كثير ممن خلق من عباده تفضيلا،

 قال أبو ذر رضي الله عنه: وأوصاني بحب المساكين، والدنو منهم، أي: التقرب من المساكين. المسكينُ يُطلَقُ على مَعنَيَينِ: الفَقيرِ الذي لا مَالَ لهُ يَكفِيْهِ، والمتَواضِعِ الذي ليسَ فيهِ تَكَبُّرٌ ولو كانَ غَنِيّا، كانَ رسولُ اللهِ مِن شِدّةِ شَفقَتِه ورَحمَتِهِ للمؤمِنينَ أنّه إذَا لم يَر بَعضَ أصحَابِه بُرهَةً مِنَ الزّمَن يَتفَقّدُه، حتى أنّه قِيلَ لهُ عن رجُلٍ غَريبٍ مؤمنٍ فَقيرٍ حِينَ سَألَ عَنه قيلَ لهُ إنّهُ تُوفي، فذَهَبَ إلى قَبرِه وصَلّى عَليهِ، سأَلَ عن قَبرِه أَينَ دُفِنَ فدُلَّ عَليهِ فصَلّى عَليهِ . إلى هَذا الحَدِّ كانَ يحِبُّ المسَاكِينَ ويَعتَني بهِم وهَذا مَا كانَ إلا رجُلا مؤمِنًا مِسكِينًا كانَ غَرِيبًا والمسكين المراد بالحديث المنكسر اما بفقر أو علة او بلاء لا المسكين المحتاج للمال فقط فلقد دعا النبي ربه ان يحيه الله مسكينا ويحشره مسكينا اي متواضع مع المتواضعين،  ولأن المساكين ليس عندهم من الدنيا ما يوجب محبتهم لأجله؛ فلا يحبون إلا لله عز وجل، قالَ أبو ذَرّ " وأَوصَاني بأَن أَصِلَ رَحِمِي وإنْ أَدبَرَت " المعنى أن الرسولَ أوصَاهُ أيضًا بأن يصِلَ رحمَه وإن كانَ رحمُه قَطَعَه، والرّحِمُ هوَ القَريبُ، وإنْ كانَ لا يَعرِفُ لهُ المعروفَ الذي يَعمَلُه مَعهُ، لو كانَ رَحمُه يُسِيءُ إليهِ فيَنبغي أن يُحسِنَ إليهِ ولا يَنقَطِعَ عن مُعامَلتِه بالإحسَانِ فيكونُ أَجرُه عظِيمًا عندَ الله، لأنّ اللهَ يحِبُّ مِنَ المؤمنِ أن يَعمَلَ مَعرُوفًا مع الذي يعمل معه المعروف ومع الذي لا يَعمَلُ مَعهُ مَعروفًا. فالذي يُحِسنُ إلى رحمِه الذي يحسِنُ مُعاملتَه أَجرُهُ أقَلَّ مِنَ الإحسان إلى الذي لا يحسِنُ مُعامَلتَه لأنّ هَذا فيهِ كَسرٌ للنّفسِ في طَاعةِ اللهِ واللهُ يحِبُّ ذلكَ، فمَن خَالفَ نفسَه فأَحسَنَ إلى رحمِه الذي يَقطَعُه كانَ لهُ الثّوابُ العَظِيم .

وأوصاني: ألا أخاف في الله لومة لائم" بألا يقدم الخوف من أحد على الخوف من الله عز وجل، ولكن يصدع بالحق، 

وأوصاني: أن أقول الحق وإن كان مرا"، وألا يخشى أحدا في قول الحق وأوصاني: أن أكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله"، وقيل: معناها: لا حول في دفع الشر، ولا طاقة بجلب خير إلا بإذن الله، "فإنها كنز من كنوز الجنة"، والكنز: هو المال النفيس والغالي، وهذا بيان لعظيم وفضل تلك الكلمة، هذه الكلمةُ وردَ في ثوابها عن رسولِ الله ثوابٌ ونَفعٌ كَبيرٌ، وأمّا ثَوابها فقد ورد في الحديثِ الصحيحِ أنها كَنزٌ تحتَ العَرشِ أي ذُخرٌ كَبيرٌ مِنَ الثّوابِ يَدّخِرُه الله تعالى للمؤمنِ الذي يقولُ هذِه الكلمةَ الشّريفةَ، يَدّخِرُها لهُ إلى الآخِرة، يكونُ محفُوظًا تحتَ العَرشِ . فأمّا فائدتها فهيَ أنها تُزيلُ الهمّ، إذا إنسانٌ مُصابٌ بالهمِّ فمِن أفضَلِ ما يَشتَغِلُ به هذهِ الكَلمة، وهذهِ الكلِمةُ أيضا تَنفَع لمن ابتُلِيَ بالوَسوسَةِ حتى صَارَ في نَفسِه وَحشَةٌ وضِيقٌ شَدِيدٌ حتى يَكاد يُصَابُ بالجُنون، هذه تُفيدُه بإذنِ الله، إن واظَبَ وثَبَت علَيها فلا بُدّ أن يَرى الفَرجَ ويَنقَلِبَ عُسْرُه يُسْرًا، الله تعالى جعَل لها سِرّا كَبِيرًا ونَفعًا عظِيمًا فزَوالُ الهَمِّ مِن إحْدَى فَوائدِها، فائدةٌ مِن عَشَراتِ الفَوائدِ . ومن مَعنَاها توحِيدٌ وهو أنّه لا أحَدَ يَستَطِيعُ أن يَفعلَ الخَيرَ والطّاعةَ إلا بعَونِ اللهِ وأنّهُ لا يَستَطِيعُ أحَدٌ أن يَعتَصِمَ مِنَ الشّرِّ إلا بحِفظِ اللهِ، فمَهمَا كانَ الإنسانُ نَشِيطًا في عَملِ الخَيرِ فإنّ هذا النَشاطَ هو نِعمةٌ منَ اللهِ فلْيَحمَدِ اللهَ تعالى، مَن يَسّرَه اللهُ للخَير فليحمَدِ اللهَ ولا يأخُذْهُ العُجبُ بنَفسِه بل يَنظُر إلى أنّ اللهَ هوَ الذي قَدّرَه أن يَعمَلَ هذِه الحسَنات، فلَولا تَقديرُ اللهِ لما استَطاعَ أن يفعَل هذهِ الحَسناتِ فإنْ لاحَظَ أنّ هذا الخيرَ الذي يعمَلُه هو بتقديرِ اللهِ ابتَعَد عن الرِّيَاء وكانَ قَريبًا مِنْ حَالِ المُخلِصِين لأنّ الذي يَعمَلُ عَمَلا مِنَ الحَسناتِ بنِيّةٍ خَالصَةٍ للهِ ليسَ فيها رياءٌ فالقَليلُ عندَ الله تعالى يُجَازيْهِ بالكثِير، ذاكَ الذي أعطَى دِرهَما لَولا شِدّةُ يقِينِه وإخلاصِه للهِ تَعالى وهوَ نِصفُ ما يملِكُ وتخَلّى عنهُ لوجْهِ اللهِ تعالى، فاللهُ جَعلَ ثَوابَ هَذا الدِّرهَم أفضَلُ مِنْ ثَوابِ هَذا الذي تصَدّقَ بمائةِ أَلفٍ، فالفِعلُ على حسَبِ ما يُتقِنُه المسلمُ يكونُ ثَوابُه عندَ الله تعالى كبِيرًا، الإخلاصُ أصلُه الإتقانُ والشأنُ في حُسنِ النّيةِ لذلكَ عَظّم رسولُ اللهِ أَمرَ النِّيّةِ فقال: " لِكُلِّ امرئ ما نَوى" العَملُ القَليلُ الذي فيهِ إخْلاصٌ عندَ اللهِ خيرٌ منَ الكَثيرِ الذي ليسَ فيه إخْلاصٌ . أولادُ رجلٍ واحِدٍ مِن أمٍّ واحِدةٍ، هذا يَطلَعُ نَشِيطًا قَوِيّ الحركةِ وهذَا يطلَع ضَعيفًا بلِيدَ الذِّهنِ لماذا ذلكَ ؟ لأنّ الله تعالى هو المتصَرِّفُ بعِبادِه كيفَما شاءَ .فالأنبياءُ والأولياء يَعرفونَ أنّ كلَّ إنسانٍ يكونُ تحتَ تصَرُّفِ اللهِ تعَالى، فإنْ رأَوا إنسَانًا نشِيطًا ذكِيا كانَ ذلكَ بعَونِ الله تعالى، والذينَ تكونُ حالتُهم بعكسِ ذلكَ يعلَمُونَ أنّ الله تعالى قَسَم له بهذه الصِّفة، هذا البشَرُ كلُّهم مِن ذُرية ءادمَ ومعَ ذلكَ انظُروا إلى كَثرَةِ اختِلاف أَحوالهِم وأَعمَالهِم لا يُحصِيْهَا إلا اللهُ تعَالى روى البخاري ومسلم عن ابي موسى رضي الله عنه ان رسول الله قال له يا عبد الله بن قيس ألا أدلك على كلمة من كنوز الجنة قل لا حول ولا قوة إلا بالله. والله سبحانه تعالى أعلم وأحكم .